مسجد الشاكرين في إسطنبول تحفة معمارية عصرية بلمسات أنثوية

تتمتع إسطنبول بتقاليدها الخاصة في الهندسة المعمارية للمساجد، والتي يعود تاريخها إلى قرون مضت، فتزين شواطئ مضيق البوسفور روائع من القرن السادس عشر مثل مسجد السليمانية، الذي بناه المهندس المعماري الأكثر شهرة في الإمبراطورية العثمانية، معمار سنان.
ومع وجود ما يقرب من 3000 مسجد، يمكن سماع أذان من كل ركن من أركان إسطنبول، قادماً من مآذن تعود إلى عصور مختلفة.
وفي السبعين أو الثمانين عاماً الماضية، بُني في اسطنبول مساجد نسخاً عن العمارة العثمانية، ولم يكن هذا تطوراً جيداً، لأن النسخة لا يمكن أن تكون جيدة مثل الأصل."
وهو الأمر الذي كانت تأمل (فاضل أوغلو وفريقها من الفنانين) في تغييره من خلال مسجد شاكرين ( الشاكرين) .

مَنْ هي زينب فاضل أوغلو؟

حققت شهرة واسعة في مجال تصميم مجوهراتها الخاصة، وتصميم الديكور، إذ تركت بصمتها الواضحة على العديد من المنازل والفنادق في جميع أنحاء العالم. وهي تملك شركتها الخاصة في مجال التصميم الداخلي، وتحمل شعار ZF، وتسعى لأن تكون واحدة من أعظم شركات التصميم في العالم.
إنها المهندسة التركية زينب فاضل أوغلو.
زينب فاضل أوغلو مهندسة ومصممة ديكور ، من مواليد عام 1955م ، أنهت دراستها الجامعية في إنجلترا ، وتحمل شهادة في تخصص العلوم المعلوماتية، ثم شهادة في التاريخ وتصميم الفنون. بدأت عملها كمحللة لأنظمة معلوماتية، ثم انتقلت إلى مجال التصميم الداخلي للمنازل والمطاعم، خاصة أنها كانت تصمم مجوهراتها الخاصة وهي في سن الـ 12 عاماً، فتحقيق النجاح يتطلب عملاً شاقاً، كما أن المحافظة على النجاح تعتبر عملاً صعباً. فالمرء لا يحصد النجاحات إلا إن ضحى وتعب كثيراً، ولقد تخلَّت زينب كثيراً عن أوقات الفراغ من أجل الاجتهاد في العمل".

وتتعاون أوغلو في شركتها ZF التي أسستها في العام 2005م، مع ما يقارب الـ 25 موظفاً غالبيتهم من النساء، بينهم 12 مهندساً ومهندسة و13 مصمماً ومصممة. وقد قامت زينب بتصميم 140 مشروعاً حول العالم، بين مطاعم ونواد وفنادق وأماكن ترفيهية، وتتميز تصاميمها المعمارية الداخلية بأنها رفيعة المستوى، وتنال إعجاب كل من يراها.

حصلت زينب على عدة جوائز عن تصميماتها، منها جائزة أندريو مارتين للتصميم الداخلي لعام 2002م، وجائزة House & Garden للتصميم الداخلي لعام 2002م أيضاً، وجائزة مصمم العام في لندن لعام 2005م، وجائزة مؤسسة Wifts لعام 2011م.
وتسعى أوغلو إلى صهر التصميم العصري مع الثقافة الإسلامية، وهي رائدة في تصميم المساجد، إذ قامت بتصميم مسجدين في الإمارات العربية المتحدة.
وهي من أشرفت على تنفيذ بناء *مسجد الشاكرين* الذي مولته عائلة تركية ثرية.

وزينب صممت في السابق مطاعم وفنادق ونوادي ليلية ومنازل فاخرة في نيودلهي، في الهند، إلى أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة، وصولاً إلى لندن بإنجلترا.

وكان مسجد ساكرين أول مشروع لها مع أماكن العبادة، والذي اختارت أن تجعل تصميمه يحاكي تصاميم المصمم التاريخي (سريف تايلا) .
عملت أوغلو على تنظيم فريق من فناني المساجد التقليديين المتخصصين في فن الخط الإسلامي، إلى جانب الحرفيين في صناعة الزجاج، وسبك المعادن والإضاءة، لتنفيذ تصميم مسجد ساكرين(الشاكرين) .

موقع مسجد الشاكرين

يقع مسجد الشاكرين في حي محافظ في القسم الآسيوي من مدينة إسطنبول بمنطقة أسكودار بالقرب من مقبرة (قراجة أحمد).

التصميم المعماري لمسجد الشاكرين

يعدُّ مسجد ساكرين أو كما يُقال له "الشاكرين" واحدًا من أكثر المساجد حداثة في اسطنبول، ويُعتبر مسجد الشاكرين نموذجاً يُبيِّن مدى تطور الهندسة المعمارية التركية في العصر الحديث، ويُصنَّف هندسياً كواحد من أكثر المساجد حداثة في تركيا.

تمَّ بناء مسجد Sakirin من قبل عائلة تركية ثرية، وتحديداً من قِبل وقف سميحة شاكر المملوك.

و تمَّ افتتاحه في عام 2009 م، بعد أن استغرق بناؤه نحو الأربع سنوات ونصف.

يبتعد المسجد بتفاصيله عن كلّ ما هو تقليديّ أو نمطيّ، بدءاً من مهندسته المعماريّة "زينب فاضل أوغلو " التي منحها عملُها في مسجد الشاكرين لقب أوّل مصمّمة مسجد مُستعينةً بتصميم للمهندس المعماريّ التركيّ المعروف "خسرف تايلا" كما ذكرنا سابقاً .

تبلغ مساحة المسجد نحو 10 آلاف متر مربع وتتسع لنحو 500 مُصلٍّ، ويشتمل المسجد على مئذنتين بارتفاع 35 متراً.

يتميز بالقبة الضخمة المصنوعة من الألمنيوم المركب والتي تغطي منطقة الصلاة، وبالمآذن العالية، والفناء، بينما يحمل السقف لفظ الجلالة "الله" واسم النبي محمد وأسماء الصحابة، وتلك النقوش كانت من إبداع النقَّاش (سميح إرتس)

أما نوافذ المسجد فصُممت على شكل صفحات من المصحف الشريف وصنعت من الذهب.

وفي قلب فناء المسجد، تم تصميم بركة مياه تتوسطها كرة كبيرة من الفولاذ ترمز إلى الكون، بينما يتزين الرواق المؤدي إلى داخل المسجد بأسماء الله الحسنى المكتوبة بعناية وبشكل بسيط يخلو من الزخرفة.

يغلب على المنبر طابع الحداثة حيث صُنع من مادة الأكريليك اللامعة وعلى جانبه سُلَّم يوحي بالصعود إلى السماء في رمزية لليلة المعراج.

وعند دخول المسجد ستجده مُحاطاً بالزجاج الذي تنفذ منه أشعة الشمس من ثلاثة أطراف بدلاً من الجدران.

بينما تمَّ رسم آيات سورة النور من الداخل، وتتميز كل الخطوط بأنها من ورق الذهب الخالص، وقد استغرق العمل على إنجازها قرابة العامين.

أمَّا بالنسبة لتصميم المحراب فقد صُمِّم على خلاف ما كانت عليه المساجد العثمانية سابقاً فقد جاء على شكل هلال كبير أزرق اللون في وسطه دائرة نحاسية مُزينة بنقوش ذات طابع زخرفي سلجوقي.

بينما تتدلّى الثريّا دائريّة الشكل وهي مصمّمة بثلاث حلقات معدنية وزجاج شبكي كلّ منها داخل الآخر لتكون أكثر قدرة على نشر الضوء وهي ترمز إلى الرحمة النازلة ، تحمل الثريا نقوشاً قرآنية وتقطر منها عشرات من الدموع الزجاجية الرقيقة وقد صممتها (ناهد بيوكيكماكسي) .

مصلَّى النساء

أمَّا بالنسبة لمصلى النساء فتصميمه لا يقل جمالاً، فقد كان من بين أهداف ( فاضل أوغلو) أثناء تصميم مسجد ساكرين لفت الانتباه إلى تصميم قسم النساء في المسجد، وهي منطقة غالباً ما يهملها المهندسون المعماريون.
حيث أنَّ النساء يتم الدفع بهنَّ أحياناً إلى أسوأ جزء من السلالم، وهي منطقة ضيقة، ويبدو الأمر وكأنهن غير مرغوب فيهن في المسجد، وهذا لا يتناسب مع الإسلام، الذي تتساوى فيه المرأة مع الرجل.
أما بالنسبة لمسجد ساكرين، فقد أُعطيت النساء اللاتي يصلّين على الشرفة رؤية بلا عائق للقبة، والثريا المزخرفة، والمنطقة على الأرض حيث يؤم الإمام الصلاة.